أوّلُ العلم الصمت، والثاني الاستماع

في عالم الأعمال، يعتبر الاستماع الفعال أكثر من مجرد مهارة؛ إنه سلاح سري للنجاح. لان القدرة على فهم احتياجات عملائك وموظفيك، وحل المشكلات، واتخاذ القرارات الصائبة تعتمد بشكل كبير على قدرتك على الاستماع بفعالية.

ولكن، انت مبرمج على عكس ذلك.

طبيعتنا البشرية تدفعنا إلى الحكم السريع وتكوين الآراء قبل أن نسمع الجانب الآخر من القصة.

على سبيل المثال، إذا ذهبت إلى مطعم وطلبت من النادل إعداد الطعام بطريقة معينة، ولم يجلب لك الطعام كما طلبت، فعقلك سيحكم فورًا على المكان، وهذا أمر يمكنك تحمله لأنك تستطيع الذهاب إلى مطعم آخر. في حالتي، على سبيل المثال، أعيش بالقرب من شارع أنس بن مالك في الرياض، مما يعني أنني أستطيع تجربة مطعم جديد كل يوم لمدة 90 يومًا دون تكرار نفس المطعم أبدًا.

ملاحظة: شارع أنس بن مالك هو من المناطق التي توفر كل شيء باستثناء مطار، لذا إذا كنت تعيش بالقرب منه، فلن تحتاج إلى الذهاب إلى مكان آخر إلا إذا كنت مسافرًا. ميزة أخرى هي أن لاعب كرة القدم كريستيانو رونالدو يعيش بالقرب منك وقد تصادفه في الحي.

والحل: أن تستمع دون إصدار حكم ??‍⚖️.

إذا سمحت لعقلك بالحكم على الناس كل الوقت، فستكون غير قادر فعليًا على رؤية الناس خلف الأقنعة التي منحتهم إياها بناءً على أحكامك، كأن تحكم على شخص بأنه كسول أو شخص آخر بأنه لا يفهم، وما إلى ذلك. ما نريد تعليمه هو ما أسميه امتلاك فضول كافٍ لفهم تصرفات الناس خلف ما يقومون به.

بمعنى، إذا كان حكمك عبارة عن جدار، فامتلك الفضول لتسلق الجدار ورؤية ما يحاول الناس قوله لك. ويجب أن أقول إن هذا هو شيء أدرّب نفسي عليه باستمرار، لأنني أنسى ذلك كثيرًا.

مثال درامي من حياتي ?:

شاهد القصة هنا:

أو اقرأها هنا

قبل عامين، كنت أعمل في شركة تقنية كبيرة ، وكنت جزءًا من فريق عالمي يعمل على استشراف المستقبل. أحد المهام التي طُلب منا القيام بها هي: كتابة تقرير عالمي يتنبأ بالمستقبل. يجب أن أقول إن هذه كانت مهمة مرهقة للغاية، لأن كتابة تقرير نيابة عن منظمة يعني أنه عليك التعاون مع العديد من الخبراء المتخصصين. كل شخص سيخبرك بما يتوقع حدوثه في مجاله. لذا ستعمل مع خبير في الذكاء الاصطناعي، وخبير في الاقتصاد، وخبيرة في الاستدامة، وما إلى ذلك. وفي الوقت نفسه، يجب أن تعمل مع مصممين، وأشخاص في مجال الكتابة والتحرير.

على أي حال،في وسط المشروع وجدت نفسي أعمل على المشروع بمفردي خلال عطلة الكريسمس ، فتواصل معي شخص من مكتب الرئيس التنفيذي، وهو من خارج المجموعة العاملة، يسأل عما إذا كان بإمكانه مراجعة المسودة لأنه يريد معرفة ما إذا كان بإمكانه الاستفادة من المحتوى لأحد الأنشطة للرئيس التنفيذي. وافقت على الفور، رغم أنه ليس جزءًا من المجموعة، لأنه لم يكن هناك سياسة في شركتنا تقول إن أي تقرير قيد العمل سري ومقتصر فقط على المجموعة العاملة. كما أنني كنت أعرف أنه سيستفيد من المحتوى الذي كتبناه وربما يقدم لنا ملاحظات تحسن من التقرير.

ما حدث هو أن هذا الزميل من مكتب الرئيس التنفيذي كتب تعليقاته على الوثيقة، مما جعل زميل آخر في المجموعة العاملة غاضبًا للغاية وقرر التعبير عن غضبه نحوي. وبهذا تلقيت بريدًا إلكترونيًا غاضبًا يتهمني بالتصرف بشكل فردي ويسأل "من تظني نفسك؟"، وتم نسخ ليس فقط أعضاء الفريق العامل بل أيضًا مديري المباشر. في لحظات كهذه، عندما تتعرض للهجوم دون سبب واضح، ما تريد فعله هو أن تهاجم بالمثل. وكان لدي وقتها غضب شديد وعلى وشك الدخول في معركة من الرسائل العدوانية المتبادلة.

لكن بما أنني كنت للتو انتهيت من تدريبي على التواصل اللاعنفي و فكرة الفهم قبل التحدث، أخذت خطوة للخلف وخرجت للمشي لمدة 30 دقيقة. ثم عدت وسألت زميلي الذي أرسل البريد الغاضب عما إذا كان يريد مناقشة الموضوع. وسألته ما الذي يحتاجه بالضبط، فأخبرني أنه يكتب كل شيء في مسودته الأولى، ثم يعمل مع مديره ومجموعات أخرى لتحسين الصياغة، خاصة وأن الإنجليزية ليست لغته الأم، ثم يأخذ موافقة مديره.

عندما سمعت هذا، أدركت أن الأمر لا يتعلق بي، بل أنه كان بحاجة إلى ما أسميه الأمان. وهنا فهمت أنه عندما يقوم الناس بتصرفات، قبل أن نحكم عليهم، يمكننا في الواقع تحديد احتياجاتهم، لأن البعض يحتاج إلى حماية أثناء العمل. في حالتي، كنت بحاجة إلى التعاون، لذا لم تتطابق احتياجاتنا. وعندما فهمت ما يحتاجه، كان من السهل علي تجاوز حكمي وإعادة بناء علاقة عمل.

وبعدين وش صار؟

بعد أن فهمت احتياجات زميلي واتفقنا على طريقة عمل جديدة، سألته إذا كان بإمكاني التحدث معه عن الأمور التي أحتاجها انا عندما نعمل معًا. فقال لي: "اسمعي، ليس لدي وقت لهذا. أنا في إجازة الكريسمس. ". فقلت له: سأنتظر حتى تعود من إجازتك". وهذا أمر مهم جدًا. يعتقد الناس أنه إذا كنا مستمعين جيدين، فهذا يعني أننا أشخاص لطفاء وساذجون وغير فعالين. لكن يجب أن أقول إن القيادة تعني أن يكون لديك نوع من الحزم حيث يمكنك إجراء محادثات صعبة دون أن تكون عاطفيًا. وهكذا انتظرت. وبمجرد عودته، تواصلت معه مجددًا وقلت له إنني بحاجة إلى أن أوضح ما أحتاجه. وشرحت له أنه لا توجد سياسة تمنعنا من مشاركة المنتجات قيد العمل مع الأشخاص داخل المنظمة. وإذا كان يريد العمل في ظروف خاصة، فإن هذا احتياج فريقه الذي يجب أن يتواصل معنا بشأنه مسبقًا. ثم لأننا سنتعاون فيما بعد لنكتشف كيف يمكننا العمل بشكل أكثر فعالية. وما أحتاجه أيضًا هو أن يتواصل معي شخصيًا قبل أن يرسل رسالة للجميع

يجب أن أقول إنه حتى في تلك اللحظة، كان من الصعب جدًا التواصل معه لأنني واجهت الكثير من الدفاعية، حيث قال: "لا، أنت تميلين إلى التصرف بمفردك. أردت تحذير الجميع، ومديرك كان بحاجة إلى معرفة ذلك". ومرة أخرى، أعلم أنني في تلك اللحظة لم أكن أملك القدرة على التعاطف، لكنني قمت بتوضيح موقفي مجددًا وشرحت له ما أحتاجه. وبعد بضعة أشهر، أعتقد أن شيئًا ما حدث حيث بدأ يفهم أن هذا كان نوعًا من التغذية الراجعة، وأنه يميل إلى المبالغة في ردود فعله ورغبته في أن تسير الأمور كما يريد بدلاً من الوصول إلى تفاهمات مع الفريق.

ومنذ ذلك الحين، بدأت أطبق هذا الأسلوب في كل تفاعل تقريبًا. ويجب أن أقول إنه في كل مرة أتواصل فيها بناءً على الاحتياجات، سواء كنت مستمعة أو متحدثة، تصبح حتى المحادثات الأكثر صعوبة أسهل بكثير.

إذا كنت ترغب في تعلم هذه المهارة، يمكنك التسجيل من هنا:

https://turwabyfadwa.msaaq.net/courses/%D8%AA%D8%B9%D9%84%D9%85-%D9%85%D9%87%D8%A7%D8%B1%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D9%85%D8%A7%D8%B9-1726821398